فتح.. بين جذوة الانطلاقة وصدأ الاحتفال
نشر بتاريخ: 2025/12/28 (آخر تحديث: 2025/12/28 الساعة: 21:05)

في الأول من كانون الثاني، تعود فتح إلى صورتها السنوية: شعلة، خطابات، أناشيد، وذاكرة مُعلّبة تُستحضر كما تُستحضر صور الشهداء في المناسبات… بلا مساءلة، بلا خوف، وبلا خجل.

لكن دعوني أقولها بوضوح، بصفتي فتحاويًا عتيقًا، لا طارئًا ولا حاقدًا:

هذا الاحتفال لم يعد بريئًا، بل صار هروبًا جماعيًا من سؤال واحد خطير: هل ما زالت فتح هي فتح؟

فيروز تغني: «في أمل يا أمل…»

ونحن نرد عليها بصوت مبحوح: أين هو هذا الأمل؟ ومن صادره؟ ولمصلحة من؟

فتح التي نعرفها… وفتح التي نراها

فتح التي انطلقت عام 1965 لم تكن حزب سلطة، ولا شركة محاصصة، ولا مكتب علاقات عامة لأنظمة الإقليم.

كانت فكرة.

كانت مخاطرة.

كانت تنظيمًا يعرف أن الثورة أخلاق قبل أن تكون بندقية.

أما اليوم، ففتح الرسمية – لا القاعدية – تشبه رجلًا يضع كوفية الثورة فوق بدلة فساد، ويطلب منا التصفيق احترامًا للتاريخ، لا للحاضر.

نعم، نقولها دون مواربة:

• الفساد لم يعد استثناءً، بل نظامًا.

• التكلس التنظيمي لم يعد عرضًا، بل عقيدة.

• تغييب القواعد لم يعد خطأً، بل سياسة متعمدة.

وهنا يصبح الاحتفال تزويرًا للذاكرة لا إحياءً لها.

«في أمل يا أمل»… أم في إنكار يا فتح؟

فيروز لم تغنِّ للأمل الساذج، بل للأمل العنيد، الذي يولد من الألم لا من المهرجانات.

لكن فتح اليوم تحتفل وكأن كل شيء على ما يرام:

لا مراجعة سياسية.

لا محاسبة داخلية.

لا اعتراف بالانفصال المرعب بين القيادة والناس.

نسأل – ونقصد الاستفزاز – جمهور فتح قبل غيره:

الخيار الأول: العودة إلى الجذور

هل نملك الشجاعة لنعود إلى فتح التي:

• تحاسب قياداتها بدل تقديسها؟

• تعيد الاعتبار للكادر لا للبطانة؟

• تفصل بين فتح كحركة تحرر، وفتح كسلطة منهكة؟

• تعترف أن الشرعية تُجدد بالفعل لا بالصور؟

عودة للجذور تعني صدامًا داخليًا، لا مصالحة شكلية.

تعني كسر الأصنام التنظيمية.

تعني أن يسمع “الكبير” صوت “الصغير” دون وسطاء.

الخيار الثاني (الأخطر): هل تكون هذه آخر سنة احتفالية؟

وهنا السؤال الذي يخيف، ولذلك يجب طرحه:

هل نحتفل اليوم لأننا نحب فتح… أم لأننا نخشى الاعتراف بأنها تذبل؟

هل تتحول شعلة الانطلاقة إلى شمعة وداع إذا استمر الإنكار؟

التاريخ لا يرحم الحركات التي تعيش على رصيدها فقط.

والثورات التي تخاف النقد تموت واقفة… ولكن بلا جمهور.

كلمة أخيرة… من فتحاوي متعب لا من خصم

نحن لا نكتب ضد فتح،

نكتب كي لا نموت معها صامتين.

نكتب لأن فتح أكبر من فاسديها،

وأعمق من مكاتب قيادتها،

وأصدق من خطابات مناسباتها.

فيروز تقول: «في أمل يا أمل»

أما نحن فنضيف:

في أمل… إذا تجرأنا.

في أمل… إذا توقفنا عن الاحتفال وبدأنا بالمواجهة.

وإلا، فسيأتي يوم نُحيي فيه ذكرى فتح…

كحركة عظيمة كانت هنا.