كانوا عشرة
نشر بتاريخ: 2025/12/28 (آخر تحديث: 2025/12/28 الساعة: 22:14)

بيت لحم مدينة الذكريات الآمنة، البسيطة والمتواضعة والشيّقة، هكذا أراها، بريئة جديرة بحياة لا تشبه أيام حاضرها وسط القلق، ولا تشبه الماضي القريب المحاصر بالأسلاك وأرتال الدبابات، بينما يراها غيري أنها مدينة الذكريات الشقيّة النديّة، صعبة المنال، الهادئة والوادعة والثائرة في آن، ويراها ثالث أنها مدينة الحظ إذ تحفظ مهابتها في المصائر المجهولة، مفتوحة وممنوعة في آن، مغامِرة ومستعدة، فيما يراها رابع أنها مدينة تنساب منها روائح بخور الجدّات كما يفوح فيها روائح الزعتر البري.

وماذا يقول خامس مرّ بها؟

قد تستهويه فكرة عمارتها القديمة والنقوش الحجرية، فيراها من زاوية باحث يكشف الغبار عن مفاتن الجمال في لهاث قلبه، ويمسح بيده الناعمة عن أثريّات مرّ فوقها الزمن والفصول والجنود الغزاة. أما السادس، فتراه سيّئ الوصف إذ يتنكر لها بالتردد، وقد تجد السابع محتارًا في عزلته، فلا هو يئن ولا يجن، ويطبق على ذكرياته فيها بعين الطفولة والشباب، ويغضب من حاضره، أما الثامن فهو الذي أخذ على نفسه أن يراها من كل الزوايا بقلب كاهن تجلّت في قلبه صور الحقيقة، ويدخلها كأنه نبيّ يتمشى في شوارعها، وتزداد نظراته علوًّا لا تُنكسها حيرة البؤساء والضعفاء، إذ يرى في ليلها الحالك نور الرجاء والصفاء، أما التاسع فكان ينام فوق عتبة البيت المهجور، لعله كان يحلم أو يغرق في نومه الصامت، أمّا العاشر فغاب، ولا أحد يعلم إلى أين هاجر، تاركًا تسعتهم، حين وجد الغزاة يحاصرون المدينة، ويدخلونها كل ليلة، كمن فتنتهم طرقاتها، واستهوتهم حاراتها وأقواسها، وآثروا أن يلقوا بلعنتهم عليها كل ليلة.